سورة يوسف - تفسير تفسير النسفي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يوسف)


        


{وَقَالَ الملك ائتونى بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِى} أجعله خالصاً لنفسي {فَلَمَّا كَلَّمَهُ} وشاهد منه ما لم يحتسب {قَالَ} الملك ليوسف {إِنَّكَ اليوم لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ} ذو مكانة ومنزلة، أمين مؤتمن على كل شيء. روي أن الرسول جاءه ومعه سبعون حاجباً وسبعون مركباً وبعث إليه لباس الملوك فقال: أجب الملك، فخرج من السجن ودعا لأهله: اللهم عطّف عليهم قلوب الأخيار ولا تعم عليهم الأخبار فهم أعلم الناس بالأخبار في الواقعات. وكتب على باب السجن: هذه منازل البلواء وقبور الأحياء وشماتة الأعداء وتجربة الأصدقاء. ثم اغتسل وتنظف من درن السجن ولبس ثياباً جدداً، فلما دخل على الملك قال: اللهم إني أسألك بخيرك من خيره، وأعوذ بعزتك وقدرتك من شره، ثم سلم عليه ودعا له بالعبرانية فقال: ما هذا اللسان قال: لسان آبائي، وكان الملك يتكلم بسبعين لساناً فكلمه بها فأجابه بجميعها فتعجب منه وقال: أيها الصديق إني أحب أن أسمع رؤياي منك. قال: رأيت بقرات فوصف لونهن وأحوالهن ومكان خروجهن، ووصف السنابل وما كان منها على الهيئة التي رآها الملك وقال له: من حقك أن تجمع الطعام في الأهراء فيأتيك الخلق من النواحي ويمتارون منك ويجتمع لك من الكنوز ما لم يجتمع لأحد قبلك. قال الملك: ومن لي بهذا ومن يجمعه؟


{قَالَ} يوسف {اجعلنى على خَزَائِنِ الأرض} ولني على خزائن أرضك يعني مصر {إِنّى حَفِيظٌ} أمين أحفظ ما تستحفظنيه {عَلِيمٌ} عالم بوجوه التصرف. وصف نفسه بالأمانة والكفاية وهما طلبة الملوك ممن يولونه. وإنما قال ذلك ليتوصل إلى إمضاء أحكام الله وإقامة الحق وبسط العدل والتمكن مما لأجله بعث الأنبياء إلى العباد، ولعلمه أن أحداً غيره لا يقوم مقامه في ذلك فطلبه ابتغاء وجه الله لا لحب الملك والدنيا، وفي الحديث: «رحم الله أخي يوسف لو لم يقل اجعلني على خزائن الأرض لاستعمله من ساعته ولكنه أخر ذلك سنة» قالوا: وفيه دليل على أنه يجوز أن يتولى الإنسان عمالة من يد سلطان جائر، وقد كان السلف يتولون القضاء من جهة الظلمة. وإذا علم النبي أو العالم أنه لا سبيل إلى الحكم بأمر الله ودفع الظلم إلا بتمكين الملك الكافر أو الفاسق فله أن يستظهر به. وقيل: كان الملك يصدر عن رأيه ولا يتعرض عليه في كل ما رأى وكان في حكم التابع له.
{وكذلك} ومثل ذلك التمكين الظاهر {مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِى الأرض} أرض مصر وكان أربعين فرسخاً في أربعين، والتمكين الإقدار وإعطاء المكنة {يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاء} أي كل مكان أراد أن يتخذه منزلاً لم يمنع منه لاستيلائه على جميعها ودخولها تحت سلطانه. {نشاء} مكي {نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا} بعطائنا في الدنيا من الملك والغني وغيرهما من النعم {مَّن نَّشَاء} من اقتضت الحكمة أن نشاء له ذلك {وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ المحسنين} في الدنيا {وَلأَجْرُ الأخرة خَيْرٌ لّلَّذِينَ ءامَنُواْ} يريد يوسف وغيره من المؤمنين إلى يوم القيامة {وَكَانُواْ يَتَّقُونَ} الشرك والفواحش. قال سفيان بن عيينة: المؤمن يثاب على حسناته في الدنيا والآخرة، والفاجر يعجل له الخير في ا لدنيا وماله في الآخرة من خلاق، وتلا الآية. روي أن الملك توج يوسف وختمه بخاتمه ورداه بسيفه ووضع له سريراً من ذهب مكللاً بالدر الياقوت، فقال: أما السرير فأشد به ملكك، وأما الخاتم فأدبر به أمرك، وأما التاج فليس من لباسي ولا لباس آبائي فجلس على السرير، ودانت له الملوك وفوض الملك إليه أمره وعزل قطفير ثم مات بعد فزوجه الملك امرأته، فلما دخل عليها قال أليس هذا خيراً مما طلبت! فوجدها عذراء فولدت له ولدين أفراثيم وميشا وأقام العدل بمصر وأحبته الرجال والنساء، وأسلم على يديه الملك وكثير من الناس وباع من أهل مصر في سني القحط الطعام بالدارهم والدنانير في السنة الأولى حتى لم يبق معهم شيء منها، ثم بالحلي والجواهر في الثانية، ثم بالدواب في الثالثة، ثم بالعبيد والإماء في الرابعة، ثم بالدور والعقار في الخامسة، ثم بأولادهم في السادسة، ثم برقابهم في السابعة، حتى استرقهم جميعاً، ثم أعتق أهل مصر عن آخرهم، ورد عليهم أملاكهم، وكان لايبيع لأحد من الممتارين أكثر من حمل بعير، وأصاب أرض كنعان نحو ما أصاب مصر فأرسل يعقوب بنيه ليمتاروا وذلك قوله.


{وَجَاء إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ} بلا تعريف {وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ} لتبدل الزي ولأنه كان من وراء الحجاب ولطول المدة وهو أربعون سنة، وروي أنه لما رآهم وكلموه بالعبرانية قال لهم: أخبروني من أنتم وما شأنكم؟ قالوا: نحن قوم من أهل الشام رعاة أصابنا الجهد فجئنا نمتار، فقال: لعلكم جئتم عيوناً تنظرون عورة بلادي. فقالوا: معاذ الله نحن بنو نبي حزين لفقد ابن كان أحبنا إليه وقد أمسك أخاً له من أمه يستأنس به فقال: ائتوني به إن صدقتم.
{وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ قَالَ} أعطى كل واحد منهم حمل بعير، وقرئ بكسر الجيم شاذاً {ائتونى بِأَخٍ لَّكُمْ مّنْ أَبِيكُمْ أَلاَ تَرَوْنَ أَنّى أُوفِى الكيل} أتمه {وَأَنَاْ خَيْرُ المنزلين} كان قد أحسن إنزالهم وضيافتهم رغبهم بهذا الكلام على الرجوع إليه.

4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11